Friday, January 16, 2009

Tafsir Ayat 01 Surah Al Isra' Beserta Doa Saidina Ali K.W.A.

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)
تفسير الآية
قوله تعالى : (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ) إلى آخر الاية . سبحان اسم مصدر للتسبيح بمعنى التنزيه ويستعمل مضافا وهو مفعول مطلق قائم مقام فعله فتقدير ( سبحان الله ) سبحت الله تسبيحا أي نزهته عن كل ما لا يليق بساحة قدسه وكثيرا ما يستعمل للتعجب لكن سياق الآيات إنما يلائم التنزيه لكونه الغرض من البيان وان أصر بعضهم على كونه للتعجب .
والإسراء والسرى السير بالليل يقال : سرى واسري أي سار ليلا وسرى واسري به أي سار به ليلا ، والسير يختص بالنهار أو يعمه والليل . وقوله : ( ليلا ) مفعول فيه ويفيد من الفائدة أن هذا الإسراء تم له بالليل فكان الرواح والمجئ في ليلة واحدة قبل ان يطلع فجرها .
وقوله :( إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) هو بيت المقدس بقرينة قوله : ( الذى باركنا حوله . والقصي البعد وقد سمى المسجد الأقصى لكونه ابعد مسجد بالنسبه إلى مكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومن معه من المخاطبين وهو مكة التى فيها المسجد الحرام .
وقوله : (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) بيان غاية الإسراء وهى اراءه بعض الآيات الإلهية - لمكان - من وفي السياق دلالة على عظمة هذه الآيات التى أراها الله سبحانه كما صرح به في موضع آخر من كلامه يذكر فيه حديث المعراج بقوله : ( لقد رأى من آيات ربه الكبرى ) النجم : 18 .
وقوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) تعليل لإسرائه به لاراءة آياته أي انه سميع لاقوال عباده بصير بأفعالهم وقد سمع من مقال عبده ورأى من حاله ما استدعى أن يكرمه هذا الإكرام فيسرى به ليلا ويريه من آياتة الكبرى . وفي الآية التفات من الغيبة إلى التكلم مع الغير في قوله : ( باركنا حوله لنريه من آياتنا ) ثم رجوع إلى الغيبة السابقة والوجه فيه الإشارة إلى أن الإسراء وما ترتب عليه من اراءه الآيات إنما صدر عن ساحة العظمة والكبرياء وموطن العزة والجبروت فعملت فيه السلطنة العظمى وتجلى الله له بآياته الكبرى ، ولو قيل : ليريه من آياته أو غير ذلك لفاتت النكتة .
والمعنى : لينزه تنزيها من أسرى بعظمته وكبريائه وبالغ قدرته وسلطانه بعبده محمد في جوف ليلة واحدة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وهو بيت المقدس الذى بارك حوله ليريه بعظمته وكبريائه آياته الكبرى ، وإنما فعل به ذلك لأنه سميع بصير علم بما سمع من مقاله ورأى من حاله انه خليق أن يكرم هذه التكرمة .
[1]
" قال أكثر المفسرين : اسري به ( صلى الله عليه وآله ) من دار أم هانئ أخت علي ( عليه السلام ) وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) نائما في تلك الليلة في بيتها ، وإن المراد بالمسجد الحرام هنا مكة ، ومكة والحرام كلها مسجد ، وقال الحسن وقتادة : كان الإسراء من نفس المسجد الحرام " إلى المسجد الأقصى " يعني بيت المقدس لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام " الذي باركنا حوله " أي جعلنا البركة فيما حوله من الأشجار والثمار والنبات والأمن والخصب حتى لا يحتاجوا إلى أن يجلب إليهم من موضع آخر ، أو بأن جعلناه مقر الأنبياء ومهبط الملائكة " لنريه من آياتنا " أي من عجائب حججنا ، ومنها إسراؤه في ليلة واحدة من مكة إلى هناك
[2]
فضل الصلاة في المسجد الأقصى
من الأماكن المشرفة :
( وقد يغلظ اللعان بالقول ) بذكر أسماء الله تعالى المؤذنة بالانتقام وبالعظمة والهيبة ( والمكان ) بأن يلاعن بينهما في البقاع المشرفة ، مثل ما بين الركن والمقام - أي الحطيم - إن كان في مكة ، وفي المسجد عند الصخرة إن كان في بيت المقدس ، وعند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كان في المدينة ، وعند المكان المعروف بالإصبعين في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام قريبا من مكان رأسه المعظم ، وفي باقي المشاهدة المشرفة والمساجد المعظمة ، نحو مسجد الكوفة ومسجد سهيل ومسجد براثا وغيرها من المساجد المعلومة
[3]
ثواب الصلاة في بيت المقدس
عن علي عليه السلام ، قال : الصلاة في بيت المقدس ألف صلاة . (
[4])
عن السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليهم السلام قال : صلاة في البيت المقدس تعدل ألف صلاة وصلاة في مسجد الأعظم مائة صلاة وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة وصلاة في مسجد السوق إثنتا عشرة صلاة ، وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة
[5].

وقال أبو جعفر عليه السلام لأبي حمزة الثمالي : " المساجد الأربعة المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد الكوفة ، يا أبا حمزة الفريضة فيها تعدل حجة ، والنافلة تعدل عمرة "
[6].
عقوبة من أراد هدم بيت المقدس
عن أبى حمزة الثمالى ، عن أبى - جعفر ( ع ) قال : لما خرج ملك القبط يريد هدم بيت المقدس اجتمع الناس إلى حزقيل النبي ( ع ) فشكوا ذلك إليه ، فقال لعلى أناجي ربى الليلة فلما جنه الليل ناجى ربه ، فأوحى الله إليه : إني قد كفيتكهم ، وكانوا قد مضوا ، فأوحى الله إلى ملك الهواء أن أمسك عليهم أنفاسهم ، فماتوا كلهم ، وأصبح حزقيل النبي ( ع ) وأخبر قومه بذلك فخرجوا فوجدوهم قد ماتوا [7]
فضل بيت المقدس
عن أمير المؤمنين عليه السلام يقول : ما من عبد يقرأ ( قل إنما أنا بشر مثلكم ) إلى آخر السورة إلا كان له نورا من مضجعه إلى بيت الله الحرام فان من كان له نور في بيت الله الحرام كان له نور إلى بيت المقدس [8].
قصور الجنة
عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال : أربعة من قصور الجنة في الدنيا : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه واله ، ومسجد بيت المقدس ، ومسجد الكوفة ([9]).
أهمية الوحدة في النصر
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) [10] ( ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) ([11] )
فالإسلام يدعو إلى الاعتصام بمبادئه وتطبيق قوانينه والتمسك بالثقل الثاني الذي خلفه الرسول ( ص ) وأحب أن تكون الأمة كالبنيان المرصوص المتماسك الأطراف والأجزاء وهذا المثال الذي ضربه القرآن الكريم لنا بعيد المرمى عميق الغور فان البناء القائم إذا كان متماسك اللبنات متراص الأجزاء مع بعضه فانه يبقى دهرا طويلا ويمكن الانتفاع منه في الحر والبرد ، كذلك الأمة إذا اتحدت وتحابت وجمعت كلمتها فان عزتها وشوكتها تقوى وتكون لها السيادة والقيادة للبشرية . في الصحراء القاحلة وكان البرد قارصا ولا كهرباء ولا وسائل للتدفئة إلا الأمور البدائية أمر الرسول ( ص ) أصحابه جميعا أن ينتشروا في البيداء ليأتوه بأعواد من الحطب المتناثر على المدر والحجر وبعد أن جمعوه بين يديه وأشعل فيه النار قال : بما معناه هكذا تكون الجماعة فلو كان فردا واحدا لما تمكن من تدفئتنا . نعم كان الرسول ( ص ) بهذا وغيره يعلم أصحابه أهمية جمع الكلمة والاتحاد فيما بينهم وهو القائل أن الأمة يجب أن تكون في تماسكها وتعاطفها وتحابها كالجسد الواحد إذا تألم منه عضو سهر له باقي الجسم بالسهر والحمى . وبالعكس تماما فيما إذا تفككت الأمة وتناحرت وتنازعت فان الفشل والذل والهوان والخذلان سوف يكون نصيبها وحليفها وقد حذر الخالق سبحانه من هذه العواقب الوخيمة بقوله تعالى : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) (
[12] ) فقد رتب على المنازعة والاختلاف الفشل وبعدها تذهب ريحهم وهي كناية عن ذهاب القوة والنصر فان الله سبحانه يمد الأمة بالنصر والتأييد واللطف منه وهذا تكريما منه إليهم عند اجتماعهم ووحدتهم فإذا اختلفوا وتفرقوا سلب تلك النعمة العظيمة وباتوا على شفى جرف هار . ويؤكد سبحانه في موارد عديدة على عدم الاختلاف ويحذر من الانشقاق ويضرب أمثلة على ذلك يقول : ( ولا تكونوا من المشركين . من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) ([13]) . ويقول أيضا : ( ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم ) ([14] ) فكأن الذي يكون سببا في الخلاف بين الأمة بالتالي يكون سببا في محو الدين ومحقه .
ويلات الأمة الإسلامية
ونحن إذا قمنا بدراسة معمقة للقسم الأخير من الآيات وقارنا بينها وبين الأمة الإسلامية اليوم لرأينا أن ما حذرنا القرآن منه قد وقع على الأمة وانطبق عليها تماما . فمأساة الأمة الإسلامية اليوم لا يمكن تحملها بحال من الأحوال ، فان المصائب والويلات التي تحل بها من استيلاء الاستعمار الشرقي والغربي عليها واستعبادها ومص دمائها وسلب ثرواتها وهتك مقدساتها وفصلها عن دينها ومبادئها وتراثها ليس ذلك إلا لأجل تفرق المسلمين واختلافهم فيما بينهم حتى تركوا دينهم وراء ظهورهم وصاروا يلهثون خلف مظاهر الاستعمار الشرقي والغربي وخدعهما وحبائلهما وصار ما صار فاستولى الاستعمال على المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى [15] وسلمه إلى حثالة من الصهاينة الأنجاس الارجاس وصاروا يعثون في الارض فسادا يقتلون النسل ويدمرون الحرث يقتلون الأطفال والنساء والرجال حتى حرقوا بيت المقدس كل ذلك بمسمع ومرأى من المسلمين [16]
نكوص الأمة
أن الحالة المزرية التي تمر به الأمة الإسلامية إنما هو نتيجة الاختلاف والتنازع حتى حصل الفشل الذريع وذهب النصر عنهم بما قدمت أيديهم . عصر الرسالة : ولو حولنا أنظارنا إلى عصر الرسالة المحمدية ( ص ) لرأينا ما يذهلنا كيف تمكنت تلك الثلة ؟ القليلة في عددها الكبيرة والعظيمة في معناها وحقيقتها وأهدافها كيف تمكنت أن تحقق أكبر الانتصارات الرائعة وفتحت البلدان الكبيرة واستولت على إمبراطورية كسرى وقيصر وكانت في كثير من الأوقات خصوصا عند أول أمرها كانت بأيد خالية إلا من التماسك وبقلوب فارغة إلا من الصبر والإيمان الراسخ بالعقيدة . بالعقيدة والوحدة انتصروا وملكوا العالم حتى أصبحوا سادته [17] .
عز المسلمين
لا إشكال أن المسجد الأقصى هو من أهم المقدسات في الأمة الإسلامية ويجب الحفاظ عليها . إن أي أمة من الأمم لا يكون لها عز وكرامة إلا إذا ارتبطت بمبادئها ومقدساتها وبمقدار مالها من ذلك الارتباط يكون لها عزاً وكرامة وقوة ومنعة ، الأمة الإسلامية على مر التاريخ كان لها أمتن الصلة وأعمقها بمختلف مقدساتها وقد حافظت عليها وأبعدتها عن كل ما يؤدي إلى اهتزازها والانتقاص منها . فالقرآن الكريم والكعبة المشرفة والمسجدين الشريفين في مكة والمدينة كان لها أعظم التقديس والاحترام في نفوس الأمة لذلك سادت العالم وأصبحت في طليعة الحضارات البشرية .
المسجد الأقصى
المحطة الأولى في رحلة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله في الإسراء والمعراج وقد بارك المولى سبحانه من حول ذلك المسجد العظيم فأصبح مصدر الخيرات والبركات على مر العصور .
كما أصبح هذا المسجد من أقدس المقدسات التي تشد إليها الرحال ويحط بفنائه المؤمنون الذين لهم تعلق بالله عز وجل .
وجوب الدفاع عن المقدسات
إن وجوب الدفاع عن المقدسات في الإسلام من الأمور المرتكزة في أذهان المتشرعة والمتدينين وإنه من لوازم التدين وهو الدفاع عن الإسلام ومقدساته وإذا تخلى عن ذلك فقد تخلى عن أكبر الواجبات . قال تعالى : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ) فإنها نزلت في تعظيم حرمات الله ، وقال تعالى : (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) .
فالآية الأولى : دالة على وجوب تعظيم حرمات الله التي منها المساجد فإن الحرمة : هي التي لا يحل انتهاكه .
وأما الآية الثانية : فإنها نازلة في تعظيم شعائر الله التي من أبرزها المساجد المحافظة عليها والدفاع عنها.
وأما الأحاديث في هذا الجانب كثيرة جداً .
أهمية الدعاء في النصر
كثيراً ما نسمع من الإخوة الفلسطينيين وغيرهم يجب على علماء الأمة الإسلامية مساندة الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية ولا يكتفي بالدعاء .
هذا الكلام وإن كان صحيحاً إلى حد ما وبالأخص ممن يتمكن من الأمة الإسلامية أن يساندها بالمال والسلاح والمظاهرات ومختلف أنواع الدعم .
ولكن لا يجوز أن نغفل أهمية الدعاء من المؤمنين والمحترقة قلوبهم وبالأخص ممن لم يتمكن أن يقدم المال أو السلاح أو الدم أو المظاهرات فإن دعاءهم له دور كبير في دعم إخوانهم المجاهدين وتسديد سهامهم للعدو ، ويجب علينا أن نؤمن بالجانب الغيبي وأن الله هو المتصرف في عباده وهو الذي يؤيدهم بنصره .
الدعاء سلاح المؤمن
فقد ورد في أحاديث متعددة على أن الدعاء سلاح المؤمن وهو أنفذ من السنان وأنه ترس المؤمن الذي يتترس به وأنه سلاح الأنبياء كما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السموات والأرض ) .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : ( الدعاء مفاتيح الجنة ومقاليد الفلاح وخير الدعاء ما صدر عن صدر نقي وقلب تقي ، وفي المناجاة سبب النجاة وفي الإخلاص يكون الخلاص فإذا اشتد الفزع فإلى الله المفزع ) .
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( ألا أدلكم على سلاح ينجيكم من أعدائكم ويدر أرزاقكم ؟ قالوا : بلى ، قال : تدعون ربكم بالليل والنهار فإن سلاح المؤمن الدعاء ) .
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام : ( الدعاء ترس المؤمن ومتى كثر قرع الباب يفتح لك ) .
وعن الرضا عليه السلام أنه كان يقول لأصحابه : ( عليكم بسلاح الأنبياء ، فقيل : وما سلاح الأنبياء ؟ قال : الدعاء ) .
وفي صحيحة عبدالله بن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام قال : ( الدعاء أنفذ من السنان الجديد )
[18] .
إن هذه الروايات وغيرها الكثير تؤكد وبكل وضوح أهمية الدعاء في تحقيق النصر على الأعداء وما يدري العبد على أن هذا المجاهد أو ذاك إنما تمكن أن يثبت ويصبر وينـزل الرعب في قلب العدو لأجل دعاء مؤمن ضعيف لا حول ولا قوة إلا بالله في جوف الليل أو من امرأة ثكلى أو طفل صغير لم يكتب عليه سيئات .
دعاء الإمام علي بن الحسين عليه السلام لأهل الثغور
( اللهم صل على محمد وآله ، وحصن ثغور المسلمين بعزتك وأيد حماتها بقوتك ، وأسبغ عطاياهم من جدتك ، اللهم صل على محمد وآله ، وكثر عدتهم ، واشحذ أسلحتهم واحرس حوزتهم ، وامنع حومتهم ، وألف جمعهم ، ودبر أمرهم ، وواتر بين ميرهم ، وتوحد بكفاية مؤنهم ، واعضدهم بالنصر ، وأعنهم بالصبر ، والطف لهم في المكر ، اللهم صل على محمد وآله ، وعرفهم ما يجهلون وعلمهم ما لا يعلمون ، وبصرهم ما لا يبصرون ، اللهم صل على محمد وآله ، وأنسهم عند لقائهم العدو ذكر دنياهم الخداعة الغرور ، وامح عن قلوبهم خطرات المال الفتون ، واجعل الجنة نصب أعينهم ، ولوح منها لأبصارهم ما أعددت فيها من مساكن الخلد ، ومنازل الكرامة والحور الحسان والأنهار المطردة بأنواع الاشربة والأشجار المتدلية بصنوف الثمر حتى لا يهم أحد منهم بالأدبار ، ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار ، اللهم افلل بذلك عدوهم ، وأقلم عنهم أظفارهم ، وفرق بينهم وبين أسلحتهم ، واخلع وثائق أفئدتهم ، وباعد بينهم وبين أزودتهم وحيرهم في سبلهم ، وضللهم عن وجههم ، واقطع عنهم المدد ، وانقص منهم العدد ، واملأ أفئدتهم الرعب ، واقبض أيديهم عن البسط ، واخزم ألسنتهم عن النطق ، وشرد بهم من خلفهم ، ونكل بهم من ورائهم ، واقطع بخزيهم أطماع من بعدهم ، اللهم عقم أرحام نسائهم ، ويبس أصلاب رجالهم ، واقطع نسل دوابهم وأنعامهم ، لا تأذن لسمائهم في قطر ، ولا لأرضهم في نبات ، اللهم وقو بذلك محال أهل الإسلام ، وحصن به ديارهم ، وثمر به أموالهم وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك ، وعن منابذتهم للخلوة بك حتى لا يعبد في بقاع الارض غيرك ، ولا تعفر لاحد منهم جبهة دونك ، اللهم اغز بكل ناحية من المسلمين على من بإزائهم من المشركين ، وامددهم بملائكة من عندك مردفين حتى يكشفوهم إلى منقطع التراب قتلا في أرضك وأسرا ، أو يقروا بأنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، اللهم واعمم بذلك أعدائك في أقطار البلاد من الهند والروم والترك والخزر والحبش والنوبة والزنج والسقالبة والديالمة ، وسائر أمم الشرك ، الذين تخفى أسماؤهم وصفاتهم ، وقد أحصيتهم بمعرفتك ، وأشرفت عليهم بقدرتك ، اللهم اشغل المشركين بالمشركين عن تناول أطراف المسلمين ، وخذهم بالنقص عن تنقصهم ، وثبطهم بالفرقة عن الاحتشاد عليهم ، اللهم أخل قلوبهم من الامنة وأبدانهم من القوة ، وأذهل قلوبهم عن الاحتيال وأوهن أركانهم عن منازلة الرجال ، وجبنهم عن مقارعة الابطال ، وابعث عليهم جندا من ملائكتك ببأس من بأسك كفعلك يوم بدر ، تقطع به دابرهم وتحصد به شوكتهم ، وتفرق به عددهم ، اللهم وامزج مياههم بالوباء ، وأطعمتهم بالأدواء ، وارم بلادهم بالخسوف ، وألح عليها بالقذوف ، وأفرعها بالمحول ، واجعل ميرهم في أحص أرضك وأبعدها عنهم ، وامنع حصونها منهم ، أصبهم بالجوع المقيم والسقم الأليم ، اللهم وأيما غاز غزاهم من أهل ملتك أو مجاهد جاهدهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى ، وحزبك الأقوى وحظك الأوفى فلقه اليسر وهيئ له الأمر ، وتوله بالنجح ، وتخير له الأصحاب ، واستقو له الظهر ، وأسبغ عليه في النفقة ومتعه بالنشاط ، واطف عنه حرارة الشوق ، وأجره من غم الوحشة ، وأنسه ذكر الاهل والولد ، واثر له حسن النية ، وتوله بالعافية وأصحبه السلامة ، واعفه من الجبن ، وألهمه الجرأة ، وارزقه الشدة ، وأيده بالنصرة ، وعلمه السير والسنن ، وسدده في الحكم ، واعزل عنه الرياء ، وخلصه من السمعة ، واجعل فكره وذكره وظعنه وإقامته فيك ولك ، فإذا صاف عدوك وعدوه فقللهم في عينه ، وصغر شانهم في قلبه ، وأدل له منهم ، ولا تدلهم منه ، فإن ختمت له بالسعادة ، وقضيت له بالشهادة فبعد أن يجتاح عدوك بالقتل وبعد أن يجهد بهم الأسر ، وبعد أن تأمن أطراف المسلمين ، وبعد أن يولي عدوك مدبرين ، اللهم وأيما مسلم خلف غازيا أو مرابطا في داره ، أو تعهد خالفيه في غيبته ، أو أعانه بطائفة من ماله ، أو أمده بعتاد ، أو شحذه على جهاد ، أو أتبعه في وجهه دعوة ، أو رعى له من ورائه حرمة ، فاجر له مثل أجره وزنا بوزن ، ومثلا بمثل ، وعوضه من فعله عوضا حاضرا يتعجل به نفع ما قدم وسرور ما أتى به ، إلى أن ينتهي به الوقت إلى ما أجريت له من فضلك ، وأعددت له من كرامتك ، اللهم وأيما مسلم أهمه أمر الاسلام ، وأحزنه تحزب أهل الشرك عليهم فنوى غزوى ، أو هم بجهاد فقعد به ضعف ، أو أبطات به فاقة ، أو أخره عنه حادث ، أو عرض له دون إرادته مانع فاكتب إسمه في العابدين ، وأوجب له ثواب المجاهدين ، واجعله في نظام الشهداء والصالحين ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك وآل محمد ، صلاة عالية على الصلوات ، مشرفة فوق التحيات ، صلوة لا ينتهي مددها ، ولا ينقطع عددها كأتم ما مضى من صلواتك على أحد من أوليائك ، إنك المنان الحميد المبدئ المعيد الفعال لما تريد )
[19].
إن دعاء الإمام علي بن الحسين عليه السلام لأهل الثغور لهو من أهم الأسلحة في مجابهة العدو وقد ذكر فيه فصولاً لهم كما ذكر ضمن مقاطع أهمية دعاء المؤمنين من خلف المجاهدين وتأييدهم والشعور بالمسؤولية كما في قوله عليه السلام : اللهم وأي مسلم خلف غازياً ..... أو أتبعه في وجهه دعوة .... إلخ
كل ذلك يدلل على أهمية الدعاء للمجاهدين المرابطين على ثغور الإسلام وبلاد المسلمين .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين

[1] - تفسير الميزان - السيد الطباطبائي ج 13 ص 5 -7 :
[2] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 18 ص 283 :
[3] - جواهر الكلام - الشيخ الجواهري ج 34 ص 61- 62 .
[4] - المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقى ج 1 ص 55 :
[5] - ثواب الأعمال- الشيخ الصدوق ص 30 :
[6] - من لايحضره الفقيه - الشيخ الصدوق ج 1 ص 229 :
[7] - المحاسن - أحمد بن محمد بن خالد البرقى ج 2 ص 553 :
[8] - ثواب الأعمال- الشيخ الصدوق ص 107 :
[9] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي ج 99 ص 270 :
[10] آل عمران : 103 .
[11] الصف : 4 .
[12] الانفال : 46 .
[13] الروم : 32 .
[14] آل عمران : 105 .
[15] هذا ما ذكرناه سابقا والصحيح أن القبلة الأولى هي الكعبة المشرفة . انظر : مكة أحب البقاع إلى الله . مخطوط.
[16] مقال في مقدمة - المراجعات- ص 8 .
[17] مقدمة - المراجعات- ص 11 .
[18] انظر الكافي كتاب الدعاء باب أن الدعاء سلاح المؤمن ج2 ص468 .
[19] - الصحيفة السجاديه الكاملة- الامام زين العابدين (ع) ص141 – 150 .

No comments:

Post a Comment